يوليو 18, 2025

نُرضعهم حناناً… ونحرمهم تربية!

يوليو 18, 2025

نحتفل بضحكتهم، نغمرهم بالهدايا، نلبي كل طلب، ثم نُفاجأ بأنهم لا يحترمون، لا يصبرون، ولا يعرفون حدوداً. ليست المشكلة في الحب… بل في نوعية الحب.

هذا المقال ليس ضد الحنان، بل ضد الحنان غير المؤطّر. الحنان الذي يبدأ دفئاً، ثم يتحوّل إلى ضعف. يبدأ حباً، ثم يُنتج غياباً في القيادة. جيل اليوم ينال كل شيء بسهولة: ألعاب، أجهزة، حرية، وحتى أعذاراً جاهزة لتبرير الخطأ. لكن حين يسقط… لا يعرف كيف ينهض. لأنه لم يتعلّم المسؤولية، بل اعتاد الراحة.

نُرضعه الحنان منذ الولادة… لكن لا نُرضعه القيم. نسأل المعلمين اليوم: ما مشكلتكم مع الطلبة؟ فيجيبون: لم يتعلّموا قول «شكراً»، لا يعرفون الانضباط، ولا يحتملون سماع كلمة «لا».

المشكلة ليست في الطفل، بل في المُربي المرهق الذي يظن أن التربية تعني بقاء الطفل سعيداً طوال الوقت. بينما التربية تعني إعداداً للحياة، لا للراحة. تعني بناء مناعة، لا فقط منح عناية.

في دول كثيرة، يُدرّس مفهوم «المناعة النفسية»: أن الطفل بحاجة لأن يسمع «لا»، أن يُصدم، أن يُخطئ ويُحاسب. لأن الحياة ستفعل ذلك لاحقاً… ولكن بقسوة أكبر.

نمنح أبناءنا كل شيء، ثم نلومهم إذا طالبوا بالمزيد. نُغرقهم بالموافقة، ثم نشتكي من جحودهم. التربية ليست رضاعة عاطفية فقط، بل فطام فكري، وحزم أخلاقي، ومواقف تشكّل الوعي.

فإذا أردت أن تُحب ابنك حقاً… فقل له أحياناً: «لا». علّمه أن الحب لا يعني الاستجابة الدائمة، ولا يعني أن الأبوة = توفير، أو الأمومة = حضن دائم.

أتذكر لقاءً مع ولي أمر يشتكي: «ابني لا يحترمني، لا يسمع كلامي، وكل ما أطلبه… يرفضه!». سألته: «هل قلت له يوماً: لا؟»، فأجاب: «لا، مستحيل… ما أقدر أزعله!». هنا تتكشّف المأساة: جيل يعتقد أن الحب هو الاستجابة الدائمة، وأن القبول لا يتحقق إلا بالهدايا والموافقة.

بحسب دراسة نُشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي (2021)، تبيّن أن الأطفال الذين نشأوا في بيئة مفرطة الحماية والحنان يعانون ضعفاً في مهارات التأقلم، وارتفاعاً في معدلات القلق، ويُظهرون سلوكيات نرجسية أو تمردية عند أول صدمة حياتية.

نحن لا نُربّي أبناءنا للماضي… بل للمستقبل. والمستقبل لا يرحم من لم يتعلم أن يتألم قليلاً، ويُؤدّب كثيراً، ويصبر طويلاً.

نحتاج إلى إعادة تعريف الحب داخل الأسرة. أن نفهم أبناءنا أن التربية لا تُقاس بعدد الهدايا، بل بعمق القيم. ليست كل «نعم» حباً، ولا كل «لا» أذى. بل أحياناً، نبني طفلاً سوياً… حين نقول له: «لا، لأنني أحبك».

Scroll to Top