يونيو 20, 2025

خرّيج «كورونا»… وحسابه في التعليم لم يُغلق بعد!

يونيو 20, 2025

ليس هذا المقال تهجماً… بل نداء للمراجعة.

جيلٌ كامل مرّ من بوابات التخرج دون أن يطرق باب الفهم بصدق. لم تُجرّب عقولهم ضغط الورقة، ولا نَفَس لجنة الامتحان، ولا لحظة المواجهة الحقيقية مع السؤال. تخرّجوا عن بُعد… لكن تساؤلاتنا عن جودة التعليم أصبحت أقرب من أي وقت مضى. هل كان الخطأ خطأهم؟ بالطبع لا. لقد كانوا في عين العاصفة، يُنقلون من منصة إلى تطبيق، من مهام مرسلة إلى تقييمات شكلية، بينما كنا نحن المؤسسات مشغولين أكثر بكيفية التكيّف، لا كيفيّة التقييم. بل إن بعض الجامعات، بحسن نية أو بسعي نحو البقاء، قررت أن «المرونة» أهم من المعايير، فخفَّضت سقف المتطلبات، وساوت بين الغائب والمجتهد، وبين من كتب بحثه، ومن نسخه بضغطة زر.

لكن بعد الجائحة، هل امتلكنا الشجاعة لنسأل: هل هذا الخرّيج مستعد للعالم؟ أم أنه فقط حصل على شهادة دون اختبار حقيقي للمهارة أو للوعي؟ إحصائية من البنك الدولي (2022) تشير إلى أن الدول التي اعتمدت بالكامل على التعليم عن بُعد خلال الجائحة شهدت انخفاضاً في المهارات التحليلية للخريجين بنسبة 41 في المئة مقارنةً بخرّيجي الأعوام التقليدية. كما كشف تقرير لمنظمة OECD أن أكثر من 60 في المئة من أرباب العمل في الشرق الأوسط أعربوا عن قلقهم من «الفجوة المهارية» بين المؤهلين ورقياً والمؤهلين فعلياً.

ومع ذلك… فليس المقصود هنا التحقير، بل التفكّر. ففي زمن الأزمة، اجتهد كثيرون، وتألق بعض الطلبة فعلاً… لكن هناك فئة مرّت دون أن تُلاحَظ أو تُؤهَّل. لذا، كأكاديمي، أطرح اليوم مشروعاً وطنياً بسيطاً: «فحص تأهيلي تطوّعي» يُقدَّم مجاناً لكل خرّيج «كورونا»، يتضمن اختبار مهارات تفكير، وكتابة، وتواصل، يعيد ربطهم بجوهر التعلم، ويمنحهم فرصة استدراك لا تتوفر غالباً بعد التخرج. وليس هذا للفرز أو الإقصاء… بل للعدالة التعليمية، حتى لا يُظلَم المجتهد… ولا يُترك المتأثر خلف الركب.

أخيراً… نحن لا نعاتبهم، بل نعاتب أنفسنا. فهم أبناء ظروف استثنائية، ونحن أصحاب القرار بعدها. فلنُغلق هذا الحساب… لا بتوبيخهم، بل بتصحيحنا. «خرّيج كورونا ليس المتهم… بل هو الدافع لمصالحة التعليم مع نفسه». لعل الحل لا يكمن فقط في امتحان إضافي، بل في «رؤية جديدة» ترى التعليم كحياة تُعاش، لا مادة تُسلّم. أن نعيد للجامعة دورها كمحضن عقل، لا مكتب تسليم شهادات. لماذا لا تُطلق الجهات التعليمية «برنامجاً تأهيلياً وطنياً» للخريجين المتأثرين بالجائحة؟ وورش عمل، وتدريباً ميدانياً، وتقييماً نقدياً، ومرافقة فكرية تعيد ثقة الطالب بنفسه… وتسترجع ثقة المجتمع به.

نعم، «كورونا» كانت عاصفة… لكن العاصفة تكشف هشاشة البناء، وها نحن اليوم نملك الوقت (وربما الشجاعة) لنبني من جديد.

Scroll to Top