مايو 16, 2025

نعجن أبناءنا للنجاح… ونُخرجهم فارغين

مايو 16, 2025

نعجن أبناءنا للنجاح… ونُخرجهم فارغين

عقولٌ مُخمّرة بالضغط…
وأرواحٌ بلا نكهة في مدارسنا.

يُعامَل الطفل كما تُعامَل العجينة:
يُعجن بمنهجٍ موحّد،
يُضغط بتقييمٍ نمطي،
ويُخبز في فرن الامتحانات على درجة حرارته المقرّرة مسبقًا.

ثم يُخرج إلى العالم على هيئة «رغيف متفوق»…
هشّ الفكر، خالٍ من الطموح،
لا يعرف لماذا صُنع، ولا كيف يُؤكل!


النجاح… قالب أم شغف؟

هل النجاح أن تُصبّ في قالب؟
أم أن تُخبز على نار الشغف والمعنى؟
وهل نُريد أبناءنا ناجحين…
أم فقط جاهزين للإخراج المدرسي؟

طفلٌ سأل أمّه يوماً:
«لماذا السماء زرقاء؟»
وبعد عامين من المقرّرات، صار يسأل:
«كم علامة سأخسر إن نسيت نقطة في التعريف؟»

هكذا ننتقل من سؤال الكون… إلى سؤال الدرجات.
من دهشة العقل… إلى قلق الامتحان.
من حبّ المعرفة… إلى رُهاب الخطأ!


حين يُصبح النجاح رقماً لا وعياً

في دراسة نُشرت في Psychology of Education Review:

  • 68٪ من طلاب الثانوية في الخليج أقرّوا بأنهم يشعرون أن «النجاح المدرسي لا يعكس قدراتهم الحقيقية».

  • 59٪ عبّروا عن فقدان الشغف بالتعلّم مع مرور السنوات.

النجاح إذًا… تحوّل من حالة وعي،
إلى حالة إنجاز رقمي.

نُلقّن أبناءنا كيف ينجحون… لا لماذا.
نُعلّمهم كيف يجيبون… لا كيف يسألون.
ندخلهم مدرسة، ونُخرِج منهم نُسخاً متشابهة… لا أفراداً متفردين.


جيل من الأوائل… بلا أول فكرة تخصّه

نجاحهم مصمَّم ليُرضينا… لا ليشبههم.
ولذلك تراهم حين يكبرون:

  • يُتقنون التقديم الشكلي.

  • يكرهون الفشل.

  • يخافون ارتكاب فكرة!

يتردد أحدهم قبل أن يُجيب عن سؤال بسيط:
«ماذا تحب أن تكون؟»

جيل من الأوائل…
لكن بلا أوّل فكرة تخصّه.
يحملون الشهادات كما تُحمل قوالب الخبز…
متشابهة، مطابقة… لكن بلا طعم.


حين يسقط المتفوق… لماذا نندهش؟

ثم نفاجأ حين يسقط المتفوق في أول اختبار حياة،
أو يذوب المتفائل في أول شكّ ذاتي،
أو يرتبك الناجح أمام أول مشروع يتطلّب قراراً حقيقياً!

ونسأل بدهشة:
«لماذا انهار؟ ألم يكن من المتفوقين؟»

لكن الحقيقة أننا لا نعد أبناءنا للنجاح،
بل نُهيّئهم لقبول نجاح غيرهم.

نجاح محفوظ، مقبول، مكرَّر…
لكنه لا يُشبههم.
لا يصدر من داخلهم…
بل يُصبّ عليهم من الخارج.


نار التحوّل… لا فرن التقييم

إننا لا نمنح أبناءنا فرصة الاحتراق الذاتي،
لا بمعنى الهلاك… بل بمعنى التحوّل.

فكل نضجٍ حقيقي يحتاج ناراً من الداخل،
لا فرناً رقابيًا من الخارج.

فيا من تضع القوالب…
خفّف يدك عن العجينة.
واترك لها شكلها الإنساني.

دع أبناءنا يخبزون مستقبلهم بحرارة اختيارهم،
لا على حرارة رضاك.


الاختتام: قالب النجاح… لا يصنع روحًا

وهنا تكمن المفارقة:

كلما أحكمنا القالب… ضعف الخبز!
وكلما ضيّقنا المسار… تاهت الروح.

فالإنسان لا يُنتج بالإجبار…
بل بالاكتشاف.

والتفوق الحقيقي لا يُعلّب
بل يُختمر بالمعنى، والحرية، والخطأ.

Scroll to Top