أغسطس 22, 2025

هل نحتوي…أم نربّي؟

أغسطس 22, 2025

يعتقد كثير من الآباء أنهم يربّون أبناءهم… لكنهم في الحقيقة فقط «يحتوونهم». يوفرون لهم الطعام، والمدرسة، والملابس، والأجهزة، لكن دون أن يزرعوا فكرة، أو يوجّهوا قيمة، أو يصحّحوا سلوكاً.

الاحتواء سهل: تحمي، تلبّي، تُسكت، تُرضي. أما التربية، فهي أن تُربك نفسك وتُتعب عقلك لتُخرج إنساناً يُفكّر، لا يُكرر.

في البيت، نمنع الطفل من البكاء… لا لأنه تعلّم ضبط النفس، بل لأنه يُزعجنا. نُعطيه ما يُسكت صراخه… لا ما يُهذّب مشاعره.

وفي المراهقة، نفاجأ لماذا لا يُصغي؟ لماذا لا يتحمل؟ لأننا علّمناه أن كل شيء يُعطى فوراً… ما علّمناه كيف ينتظر، أو يناقش، أو يتحمّل «لا».

في دراسة نشرتها جامعة هارفارد عام 2023، تبين أن الأطفال الذين تربّوا في بيئات «مُحتوية بلا حزم» يُظهرون ضعفاً في الاستقلالية، ويميلون للتعلّق المفرط أو التمرّد المفاجئ لاحقاً.

الاحتواء بدون تربية = راحة مؤقتة للوالدين، ومشكلة مؤجلة للمجتمع.
طفل نظيف، أنيق، مبرمج على الطاعة… لكنه هشّ من الداخل، يخاف من التحدي، أو يُفجّر نفسه فجأة حين يُترك وحيداً.

  • التربية ليست أن تزرع حول الطفل جداراً ناعماً، بل أن تزرع في داخله عقلاً يُرشده عندما لا تكون معه.

فيا آباء اليوم، الأب الذي لا يُتعب نفسه في الحوار اليوم… سيتعب غداً في معالجة العناد، التمرّد، أو الفراغ.
والأم التي لا تصبر على «كلمة زائدة» من طفلها… قد تسمع لاحقاً «صمتاً زائداً» في وقت لا ينفع فيه الندم.

الاحتواء جميل، لكن التربية أعمق. وما بين العطاء والصراخ… هناك «بناء عقل» لا يراه الكثيرون.

المشكلة أن كثيراً من الآباء لا يفرّقون بين «توفير الراحة» و«صناعة الشخصية». فأنت حين تلبّي كل رغبات ابنك، قد تكون ببساطة «تحتويه»، لا «تربّيه». وحين تُغطي كل احتياجاته، قد تُغطي على احتياجه الحقيقي: أن يتعلم من نفسه.

نحن نُرضي الطفل لأننا نُحبّه، لكننا أحياناً نُخرّبه ونحن نظن أننا نحميه. الطفل الذي لا يُسمح له بالخطأ، لن يعرف كيف يُصلحه.
والطفل الذي لم يُواجه الرفض، سيتعامل مع الحياة كخيانة شخصية.

في البيوت، صارت التربية أقرب إلى خدمة فندقية: كل شيء جاهز، الأوامر تُنفّذ، العواطف تُدلّل, لكن أين الجهد النفسي في تعليم الصبر؟ أين النقاش؟ أين التفاوض؟ أين تلك الجملة التربوية التي تغيّر سلوكاً من الداخل؟

في تقرير عالمي لمنظمة UNICEF عام 2022، أُدرجت التربية القائمة على «الاستجابة الفورية والتدليل الدائم» كأحد أخطر أسباب ضعف المرونة النفسية لدى الأطفال في الأزمات.

فهل نُربّي طفلاً يتحمل؟ أم نُعِدّ طفلاً ينكسر عند أول منع أو تأخير أو مسؤولية؟

  • التربية ليست مشروعاً لخدمة طفل مرتاح، بل مشروعاً لبناء إنسان قادر.

ولذلك، راجع نفسك: هل أنت تُقدّم كل شيء، فقط لكي يسكت؟ هل تحتفل بأنه «ما يزعجك»، بينما هو لم يعد يجرؤ أن يعبّر؟

احتواء ابنك لا يكفي إن لم تُدخله يوماً في مواجهة صغيرة ليكبر. ولا فائدة من حماية ابنك، إن لم تُطلق عقله ليتعرّض، ويُجاهد، ويستحق.

الفرق بين من يُربّي ومن يُريح نفسه، يظهر بعد 10 سنوات، في أول موقف، أول صدمة، أول فشل.

Scroll to Top