في نظامنا التعليمي، المهم أن تُنجز الورقة، لا أن تفهمها. أن تُكتب الرسالة، لا أن تُغيّر صاحبها. أن تُسلَّم الملف في الوقت، لا أن تُولد فيه فكرة. في يوم التخرج، تُرفع الشهادات، تُوزّع الدرجات، وتُلتقط الصور. لكن لا أحد يسأل الخريج: «ماذا تعلّمت فعلاً؟» الكل مشغول بالنتيجة… لا بالرحلة.
في نظامنا التعليمي، المهم أن تُنجز الورقة… لا أن تفهمها. أن تُكتب الرسالة… لا أن تُغيّر صاحبها. أن تُسلَّم الملف في الوقت… لا أن تُولد فيه فكرة.
هنا، الشهادة تُمنح لمن يُرضي الأساتذة، لا لمن يُربكهم بسؤال جديد. الطالب يتعلّم كيف ينسّق الفقرات، لا كيف يصوغ رأيه. يُتقن الاقتباس… لكنه يخاف أن يُعلّق بجملة من نفسه.
في دراسة لجامعة أكسفورد 2023، قال 53 في المئة من طلبة الدراسات العليا إن مشاريعهم لا تمثلهم، بل فقط «ما يُطلب منهم». والكارثة؟ أن كثيراً منهم لم يقرأ بحثه بعد التخرج!
صار الطالب يُجيد التعبئة… لا التعبير. يكتب ليجتاز… لا ليكشف. يُكافأ على الصمت داخل النمط… لا على التفكير خارج السطر.
النتيجة؟ آلاف الشهادات… وأفكار قليلة. مئات الامتيازات… لكن بلا وعي نقدي واحد.
فيا صانعي التعليم، الشهادة لا تعني شيئاً… إن لم تُحرك عقلاً. والدرجة لا تساوي وعياً… إن لم تُزعج السؤال.
لا معنى لشهادةٍ تُمنح لعقل لم يُجرّب الشك. ولا فخر بدرجة… لم تمرّ من نار السؤال.
في أحد اللقاءات، وقف طالب الدراسات العليا أمام لجنة المناقشة. قرأ الفقرة الأولى من ملخص بحثه… ثم صمت. سأله المشرف: ما الفكرة المركزية التي تُدافع عنها؟ فقال: «نسيت، بس أظنني كتبتها بشكل ممتاز».
هذه ليست نكتة… بل مشهد متكرر. الطالب يُكتب عنه، لا يكتب. يُدرَّب على التنسيق، لا التفكير.
يُكافأ على التنظيم… لا على الأصالة تتحوّل الجامعة إلى معمل إنتاج: خطة، اقتباسات، قائمة مراجع، نموذج جاهز. متى نُنجز؟ متى نُسلّم؟ متى نحصل على الامتياز؟ ولا أحد يسأل: ما الذي تغير في عقلي منذ بدأت؟
في تقرير من المركز العربي للتفكير المستقل 2024، وُجد أن 72 في المئة من الطلبة لم يعودوا لقراءة أبحاثهم بعد التخرج، و84 في المئة لم يستخدموا أي فكرة منها في حياتهم المهنية أو الشخصية لاحقاً.
هذا ليس تعليماً… هذا سباق تعبئة حتى المعلم نفسه، صار يفرح بالواجب المرتب، أكثر من السؤال المختلف. ويُشيد بالطالب الصامت… أكثر من الجريء. الهدوء أصبح معياراً للانضباط… لا غياباً للفكر.
فيا صانعي الشهادات، هل يُمكن للدرجة أن تكتب قصة؟ هل يُمكن للإطار أن يُنتج وعياً؟ هل تكفي الزخرفة في صفحة الغلاف… إذا كانت الصفحات خاوية من الفكرة؟
الورقة لا تصنع عقلاً… والامتياز لا يضمن وعياً… وكل نظام لا يَسأل: «ما الفكرة؟» سينتهي بتخريج دُمى تُجيد الإجابة… وتخاف من السؤال.