مايو 30, 2025

شهادة امتياز… لدمية بلا وعي!

مايو 30, 2025

في حفلات التخرّج، نُصفّق طويلاً لصاحب الامتياز، ونهديه شهادة مطرّزة وميدالية براقة، ونلتقط معه الصورة المثالية،
لكنه في الداخل… يجهل من يكون، لم يُسأل قط: ما فكرتك؟ ما قضيتك؟ ما الشيء الذي استيقظت لأجله اليوم؟
هل الامتياز أن تحفظ كل شيء… دون أن تفهم شيئاً؟
وهل النجاح أن تُجيب بسرعة… وتفكر ببطء؟
وهل التفوق أن تقول الإجابات الصحيحة… بصوت مستعار لا يشبهك؟

في مشهد رمزي، تقف «دمية ناجحة» على منصة المسرح، تبتسم كما طُلِب منها، تلوّح كما دُرّبت، وتُكرر جملة النجاح المعتمدة:
«أشكر معلميني وأحلم بالمزيد»… لكنها لا تعرف… المزيد من ماذا؟ ولماذا؟ ولمن؟

في دراسة نشرتها The Learning Agency عام 2023،
تبين أن أكثر من 60% من الطلاب ذوي الأداء العالي في المدارس الأميركية لا يمتلكون أي رؤية مستقبلية واضحة،
وأن قرابة 50% لا يعرفون كيف يصفون أنفسهم سوى بجملة: «أنا شاطر في المدرسة».

هل نربّي أدمغةً متفوقة… أم نسخاً ناجحة في طاعة النظام؟
الدمية لا تخطئ… لكنها لا تُبدع، لا تسأل… لكنها لا تتعلم، لا تزعج أحداً… لكنها لا تُغيّر شيئاً.
وهكذا نصنع متفوقين بنسخة السوق… لا بنسخة الحياة.

نُعلّمهم أن يجيبوا… لا أن يحلموا،
أن يُرضوا المعلم… لا أن يكتشفوا أنفسهم،
أن يتفوّقوا في السباق… دون أن يعرفوا إلى أين يركضون.

كم من شهادة امتياز كانت مكافأة على الطاعة،
وكم من عقل حرّ رُكّن جانباً لأنه لا يحفظ، لا يكرر، لا يُجامل.
نمدح الإجابات… ونخاف من الأسئلة،
نكرّم الأداء… ونتجاهل الوعي.

إننا لا نُخرّج مفكرين… بل نُبرمج مكرّرين،
نُسلّمهم وثيقة التميز… دون أن نسأل:
هل فكّر هذا المتفوق يوماً بفكرة تخصّه؟

فيا صانعي الامتياز، هل تجرؤون أن تسألوا الدمية: ماذا تفكر؟
وهل تتحملون الجواب… إن كان أول جملة حرة في حياتها؟

الدمية قد تكون الأولى على دفعتها… لكنها لا تجرؤ على الخروج من نصّ مكتوب،
هي بارعة في تكرار العبارات، لكنها لا تعرف كيف تصوغ جملة تخصّها.
نعم، تعرف القواعد… لكنها لم تُمنح وقتاً لارتكاب خطأ مفيد.

فما قيمة الامتياز… إن لم يكن عميقاً؟
وما فائدة التفوق… إن لم يكن إنسانياً؟
وهل النجاح يُقاس بالشهادة؟
أم بمدى قدرة صاحبها على تغيير شيء في هذا العالم؟
أم أن المطلوب هو النجاح الذي لا يربك أحداً… ولا يهزّ فكرة؟

في كل عام، نُعلّق أسماء المتفوقين على لوحات الشرف…
لكن لا نُعلّق لحظة لنسألهم:
«هل فكّرتم؟ هل شككتم؟ هل قلتم يوماً لا؟»

إن المدارس التي تخشى الأسئلة… تُخرّج متفوقين في الصمت،
والمناهج التي لا تسمح بالاعتراض… تُنجب عقولاً تعتذر من الوعي.

أخطر ما في شهادة الامتياز… أن تُخدّر بها الذات،
وأن يظن الطالب أن نجاحه يُغنيه عن التساؤل، وعن التجربة، وعن الألم الجميل المصاحب للبحث.

فلا تحكموا على الدمية من بريق شهادتها،
بل من سؤالها الأول عندما تُترك وحدها:
«من أنا… بدون أن يُقال لي؟»

Scroll to Top